مسنات "بيت فجار" يرسمن الحياة في لوحات "غير عادية" !

مسنات "بيت فجار" يرسمن الحياة في لوحات "غير عادية" !

اصطفت تلك الرسومات "غير العادية" جنباً إلى جنب على أحد جدران المبنى التاريخي القديم في بلدة بيت فجار قرب بيت لحم، والذي تم ترميمه ليتحول إلى مقر لجمعية تنمية المرأة الريفية فيها .. سر تميز اللوحات ليس في ما تحتويه من رسومات، أو طريقة التلوين، أو حتى المواضيع التي تناولتها، رغم أهميتها، بل كونها كانت لمسنات البلدة، اللاتي تجاوزت بعضهن عامها الثمانين!
إحداهن رسمت قبة الصخرة، وأخريات عصافير، ومشاهد طبيعية، لطالما اعتدن على رسمها، قبل تحويلها إلى لوحات مطرزة، منذ عقود عدة.
كان ذلك في مخيم صيفي فريد من نوعه، استضافته الجمعية بالتعاون مع "الهلال الأحمر" مؤخراً .. كان مخصصاً لمسنات بيت فجار ممن تجاوزن الستين من العمر، واشتمل على محاضرات تثقيفية، مجملها في إطار الصحة العامة، ورحلات ترفيهية، وورشة في الرسم الحر، إضافة إلى حلقات للنقاش وتبادل الأحاديث، تواصلت جميعها لعشرة أيام.
"المسنات تمكنّ من بث الأمل، وحب الحياة في نفوسنا" .. بهذه العبارة بدأت نادية ثوابتة، منسقة المخيم الصيفي حديثها عنه، مضيفة: لم نجد أية صعوبات في تقبل الفكرة التي ننفذها للسنة الثانية على التوالي .. بل على الع**، كنّ يأتين بكل الحب واللهفة، وكان أزواجهن من المسنين، وأبناؤهن يشجعونهن، بل ويساعدونهن في الوصول إلى مقر الجمعية، عبر مرافقتهن مشياً على الأقدام لمن يسكنّ في المنازل القريبة، أو نقلهن في السيارات لمن يسكنّ في مناطق أكثر بعداً، مضيفة: المخيم ضم قرابة ستين امرأة، وهن ما زلن يحضرن إلى مقر الجمعية مرة أسبوعياً للقاء والتشاور، حتى بعد انقضاء أيام المخيم.
وبالنسبة لرسومات مسنات بيت فجار، أكدت ثوابتة: لم نكن نتوقع حين قدمنا لهن الأوراق البيضاء والألوان، أن تخرج لوحاتهن بهذه الروعة.
من جهتها، شددت جواهر ثوابتة، رئيسة جمعية تنمية المرأة الريفية في بيت فجار، على أهمية المخيم بكل فعالياته، وعلى خصوصية اللوحات التي رسمتها المسنات، وتقول: تفاجأنا .. هن فنانات حقيقيات .. معظمهن استثمرن مهاراتهن في الحياكة، ورسمن لوحات بالألوان كن يرسمنها على الأقمشة قبل عقود.
رقية عبد الله رسمت فصل الربيع بكل تجلياته .. ربيع فلسطيني أكدت على حضوره بالعلم الذي اعتلى زهرة، وهو ذات الإطار الذي رسمت فيه رقية حميدان، وفاطمة رشيد، ومريم يعقوب التي تتجاوز الثمانين عاماً، في حين انتصرت رقية محمود للورود، ورسمت سارة عفيف قبة الصخرة تعلوها عبارة "لا إله إلا الله هو الرحمن الخالق البارئ الجواد"، في حين لم تبتعد رسومات الأخريات عن رسومات من وحي ربيع فلسطين.
ولم يقتصر المخيم على الرسم الحر، والرحلات، وبعض المحاضرات الصحية، بل هناك تواصل دائم بين المسنات المشاركات فيه، ولقاءات لا تنقطع في مقر الجمعية، حيث يعلمن "الصبايا" على صناعة وطهو "المفتول"، كإحدى أهم المأكولات الشعبية الفلسطينية، وكذلك "المسخن"، و"الدبس"، و"الملبن"، و"ال**يب"، وغيرها من منتجات العنب، إضافة إلى مشاركتهن كمستشارات في كثير من الأحيان، لما يعددنه النساء في الجمعية من مطرزات، ومنتوجات تراثية، كي يحفظن هذا التراث من جهة، ويوفر مصدر رزق لعشرات النساء من جهة أخرى، خاصة أولئك اللواتي لا معيل لهن، بل إن بعضهن بتن الأعمدة الفقرية للمنزل، في ظل شح فرص العمل لأزواجهن، خاصة أولئك الذين عملوا لسنوات طوال داخل الخط الأخضر، وتحرمهم سلطات الاحتلال من الاستمرار في أعمالهم السابقة.
الألوان الزاهية في رسومات مسنات بيت فجار، وفي مطرزات نسائها وشابّاتها، تعج بالحياة، وتنتصر للأمل بشمس تشرق في يوم أفضل، كتلك التي ترسمها إحدى المسنات في الركن الأيمن، أعلى لوحتها.