والدي العزيز: أكتب إليك هذه الرسالة وقد طالت فترة غيابك عنا.. لقد اشتقنا إليك كثيراً،أختي الصغيرة (ريم) تنتظرك كل مساء لتفتح لك الباب ولكن.. أما أنا يا والدي فإني بانتظارك بفارغ الصبر لأستلم منك الهدية.. لعلك تتساءل: لم الهدية يا ترى؟
ألم تعدني بهدية ثمينة إن أنا نجحت؟؟ وها قد نجحت وبدرجة عالية أيضا. أكتب لنا متى تعود.. لا تنسى الهدية يا أبي. ابنك عاصم استلم أبو عاصم الرسالة وانهمرت دموعه على خديه عندما قرأ نبأ نجاح ابنه،وحدث نفسه: إنها بضعة أيام وأعود إلى أهلي إن شاء الله. ولم يتمالك نفسه من الفرحة والسرور، فأخذ الرسالة إلى زملائه في العمل ووقف رافعاً محياه: خذ يا أبا محمد.. اقرأ، إنه والحمد لله لم يخيب أمل أبيه.. تعال يا عنتر سأقرأ لك رسالة ابني.. كم أنا فخور به. لقد جئت في الوقت المناسب يا أستاذ فؤاد.. إن عاصماً من الناجحين ..من الأوائل، تعال اقرأ وأسمعني الرسالة مرة ثانية.. وثالثة.. إلهي لك الحمد. في تلك الليلة لم يجد النوم سبيلاً إلى جفني أبي عاصم، نهض من سريره وكتب الرسالة الأخيرة: تلقيت نبأ نجاحك الباهر فلم تسعني الدنيا،أعد الأيام الباقية بالثواني، سأكون عندكم يوم الجمعة القادم إن شاء الله، ولكني لن أعود وحيداً فستكون برفقتي هديتك. أما عن هذه الهدية فإني سأفاجئك بها. هيء لي أوراق علاماتك لكي تنعم بها عيني.. أنا بخير.. سلامي لكم جميعاً. أبو عاصم عندما قرأت أم عاصم رسالة زوجها: احمر وجهها وبدا الغضب على ملامحها.. وعرف عاصم السبب، حاول الخروج لكن صوت أمه المنفعلة أوقفه مكانه ماذا فعلت يا عاصم؟ ما تقول لأبيك عندما يعود يا.. يا كاذب؟ أخبرته بنجاحك وأنت أول الراسبين؟! كيف سيتلقى أبوك هذا النبأ؟ من أجل هدية تصم نفسك بالكذب؟ أغرب عن وجهي يا كذاب.. حين وصل أبو عاصم في الموعد المحدد كان يتوقع أن يكون عاصم أول مستقبليه.. لكنه سلم على المستقبلين جميعهم وانتظر، ثم سأل بلهفة.. أين عاصم؟! سكتت الأم وعلى وجهها علامات لم يستطع أبو عاصم تفسيرها.. وخشي أن يكون مكروه قد أصاب ابنه عاصم. كرر سؤاله: أين عاصم؟ هل هو مريض ! قالت الأم: يا ليته كان مريضاً.. إنه هنا في المنزل لكنه لا يرغب أن تراه. وقبل أن يستفسر عن السبب، قالت ريم الصغيرة: إنه راسب يا أبي.. لقد كذب عليك.. أحس أبو عاصم بمطارق من حديد تدق رأسه: عاصم راسب راسب.. بل هو كذاب.. عاصم كذاب.. كذاب.. أما عاصم فقد شعر بكبر ذنبه.. فضاق صدره وثقل رأسه، ذهب بالرغم عنه إلى أبيه.. وبكى على صدره كثيراً: أرجوك أن تغفر لي يا أبي.. لقد أذنبت، إفعل بي ما بدا لك.. لكني لن أتحمل أكثر من هذا.. سامحني يا والدي.. هل أنت حزين يا أبي؟ قال أبو عاصم بصوت خفيض: نعم لقد خيبت أملي فيك. قال عاصم: سأدرس وأعيد هذه السنة.. إني-.. قاطعه أبو عاصم: لا أتكلم عن رسوبك، بل حز في نفسي كذبك.. المؤمن لا يكذب يا عاصم.. وقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن الكذب من صفات المنافقين. المؤمن لا يكذب أبداً. أفهمت يا عاصم؟. قال عاصم: أجل يا والدي.. لقد استوعبت كل شيء، ما عدا شيئاً واحداً! رفع أبو عاصم حاجبيه مستفسراً؟ فقال عاصم بسرعة: لم أعلم إلى الآن ما الهدية التي جئتني بها يا والدي العزيز؟!