غزة.. قلوبنا معك وسيوفنا عليك !!0
أخرجوا من رؤوسكم، ولو مؤقتاً، قصص السياسة والصراعات والحوارات الفلسطينية المزيّفة التي تملأ وسائل الإعلام صباح مساء. تحللوا قليلاً من وطأة التصريحات والدعايات المتقابلة بين قادة المنظمات الفلسطينية.
ضعوا ذلك جانباً، واستعيدوا المشهد الإنساني من سحب وضباب السياسة المارقة التي تستبيح آدميتنا باستمرار.
هل فكرتم بصورة ذلك الشيخ الكبير المسن الذي يقف خلف السياج ينتظر وصول سفينة المساعدات الأوروبية لعله يسدُّ جوعه أو جوع أحفاده الذين ينتظرون لقمة الطعام؟!
من وقف قليلاً يتآمل صورة الطفل الصغير في أحد مخيمات غزة، وهو يصرخ من شدة الجوع والبرد، هل فكّر أحدنا فيما لو كان أب ذلك الطفل؟!
من تقمّصت مشاعر والدة ذلك الفتى الشهيد الذي سقط بقصف إسرائيلي (على الرغم من التهدئة!) وهي تنظر إلى ابنها مضرّجاً بدمائه، ممزّق الجسد لا تجد له بواكي في الإعلام العربي والعالمي وكأن استباحته أهون من قتل حيوان بري لدى الضمير الإنساني المخدر تجاه غزة!
هل قرأنا تقارير المنظمات الإنسانية الدولية التي تحذّر من كارثة إنسانية وشيكة في غزة إذا لم ترفع إسرائيل الحصار المطبق عنها؟ ألا يكفي غزة أن يصل عدد من يتلقون المساعدات العينية فيها إلى 80%؟! ألم نقرأ صيحات الأطباء الفلسطينيين بأنّ نقص الدواء يهدد مصير آلاف الأطفال الفلسطينيين؟!
أتساءل فيما إذا كنّا لا نزال نعتقد أنّ ثمة مليون ونصف المليون إنسان يعيشون في غزة، هم بشر ولهم الحق في الحد الأدنى من الحياة. أم أنّ امتلاكهم لإنسانيتهم برسم التوقيف والتلاعب، بحسب الرهانات السياسية والرسائل المتبادلة.
ما هو أشدّ إيلاماً من هذا وذاك تلك السياسة البشعة البربرية التي ترهن حياة جميع الغزّيين للعبة شد الحبل بين إسرائيل وحماس. فتغلق إسرائيل الحدود أياماً لإغراق القطاع بالظلام الدامس والبرد القارس، والنفايات القاتلة للبيئة والمياه والهواء، ثم تعاود التقطير على الناس بحق الحياة. وكأنّ روح مليون ونصف مليون انسان مربوطة بحبل بيد إسرائيل تشده متى تشاء وتخففه متى تشاء.
هل هنالك أبشع من هذه اللعبة- الجريمة التي ترتكبها إسرائيل؟!
نعم، هنالك ما هو أبشع.. إنّها الجريمة التي نرتكبها جميعاً بحق سكان غزة.
فمن يذبح غزة هي الفصائل الفلسطينية المتقاتلة على مكاسب سياسية صغيرة، وتلك النخب الفلسطينية التي سعت جهدها لإفشال حوار القاهرة، كلّ لأهدافه ومصالحه.
من يذبحها؛ هو النظام الرسمي العربي المتواطئ بامتياز مع خنق القطاع وإذلاله. فلا يحرّك ساكناً لحماية الفلسطينيين، ويغيّب قضية غزة عن المحافل الدولية، وكأنّنا لسنا أمام جريمة إسرائيلية وحشية ضد مئات الآلاف من البشر.
إنه النظام الرسمي العربي الذي لا يفتأ يتحدّث عن السياسات الظلامية لحماس في غزة، وكأنّ سياساته تنويرية وتقدّمية، متستراً على جرائم إنسانية إسرائيلية، ومتناسياً أنّه يمارس اغتيالاً لحقوق عشرات الملايين من المواطنين الذين يحكمهم بسياسة الهراوات والأمن.
من يذبح غزة هو النظام الدولي الذي يشارك في الجريمة ويشرعنها بذريعة عدم التزام حماس بالقرارات الدولية، وكأنّ إسرائيل تلتزم بها؟!
من يذبحها؛ هو الإنسان العربي الصامت الخائف، غير القادر على الوقوف بجرأة وشجاعة والضغط على حكوماته لتتحرك، سياسياً ودولياً، لوضع حدّ للجريمة الإسرائيلية.
ارحموا غزة صرخة أطلقها غازي الحمد، قبل شهور عديدة. كفى كذباً أن تكون قلوبنا معها وسيوفنا عليها؟