لماذا غزة الصمود باتت تهدد البعض؟
المُذهل في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة ليس فقط شراسة الحرب، بل ما يذهل أيضا الدعم المادي والمعنوي العلني الذي يتلقاه العدو الصهيوني ممن يسمى ب((الأنظمة المعتدلة)) في الشرق الأوسط. فالتعامل بين الأنظمة المعتدلة والعدو الصهيوني دائماً كان معروفاً ولكنه مستتراً، لكن المفاجئ في هذه الحرب هو شفافية التعامل ضد شعبنا المُحاصر.
في بداية عام 2006، قام الفلسطينيون بإنتخاب حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة في إنتخابات نزيهة مراقبة دولياً، وفي المُقابل قامت ما تسمى بالأنظمة المعتدلة بالتعاون مع القوى الغربية والإسرائيليين (ما اُسميه ب"محور الشر") على إحباط هذه الإرادة الشعبية فبعد ظهور نتائج الإنتخابات قام الإحتلال الإسرائيلي بالقبض على معظم ممثلي حركة حماس المُنتخبين في الضفة الغربية وضرب "محور الشر" حصار غير معهود على إرادة الشعب الفلسطيني خاصةً في قطاع غزة. أنا لست من حماس ولا مروجاً لأفكارها ولكن أظن أنه يجب علينا النظر عن قرب لأسباب تعامل الأنظمة المعتدلة الصارخ مع "محور الشر"، فبرأيي لا بد أن يكون هنالك تفسير آخرعدا عن كونهم عملاء ينفذون ما يملى عليهم؛ فكونهم دمى وعملاء لا يفسر تواطؤهم مع ما يحدث في غزة الصمود.
أنظمة الإعتدال في الشرق الأوسط تعلم كل العلم بأنها أنظمة هشة وضعيفة (وذلك لإنعدام الشعبية لسلطتها) على الرغم من قوة أجهزتها الأمنية الموجودة لحماية هذه الأنظمة، فهذه الأجهزة الأمنية ليست موجودة لحماية الوطن من تهديدات خارجية بل موجودة لحمايتها من نقمة شعوبها. فالأنظمة المعتدلة تنظر لممارسة الشعب الفلسطيني للديموقراطية كأمراً خطيراً، فغزة المقاومة التي يسودها القانون وينعدم فيها الفساد تعد رسالة خطرة بنظر قوى الإعتدال لأنها قد تنتشر خارج حدود غزة. هذا يُفسر تهافت الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس المصري حسني مبارك على تقديم الغطاء المعنوي والمادي --بإغلاق المعابر وتوفير المعلومات الإستخباراتية-- للعدو الصهيوني ضد شعبنا الحر في غزة هاشم. إن إستهداف إسرائيل للأجهزة المدنية في حربها على غزة: كمغافر الشرطة، والجامعات والسجون ووزارتي العدل والتعليم ومخازن الوقود كان بهدف تقويض سيادة القانون. فالهدف الرئيس من خلف هذا العدوان هو قمع الإرادة الفلسطينيية وإجبار الشعب الفلسطيني على الخنوع سواءاً كانت حماس في السلطة أم لا، فقبل إنتخاب حماس كانت "قوى الشر" والأنظمة المعتدلة تمارس نفس السياسة مع الرئيس الراحل ياسر عرفات ولكن بدرجة أقل سفوراً.
الشعب العربي فقد الأمل بالعالم الغربي الذي يروج لمبادئ الحرية وحقوق الإنسان والديموقراطية؛ فهم أول من يتخلى عن تلك المبادئ عندما تتعرض مصالحهم للتهديد. فمصالح القوى الغربية في الشرق الأوسط واضحة وهي: حماية الدولة الصهيونية سياسياً وعسكرياً وذلك تعويضاً منهم عن المحارق والمعاداة للسامية التي مارسوها ضد مواطنيهم اليهود، وتأمين مصادر الطاقة (كالنفط والغاز الطبيعي) لأسواقها، وأما حماية الحريات وحقوق الأنسان وسيادة القانون والديموقراطية فكل ذلك أمراًً ثانوياً، والدليل على ذلك ما يحدث الآن في غزة فهو تجسيداً لهذه السياسة الغربية المنافقة. فالمهين والمُحرج لي كعربي تهافت الأنظمة المعتدلة على مساعدة العدو الصهيوني باعتدائه على شعبنا المُحاصر في غزة.إن هذا التهافت يدل على إرتباك وخوف غير معهود للأنظمة المعتدلة من رسالة غزة المقاومة التي يسودها القانون والديموقراطية. قد يرى البعض أن هذه الأنظمة لا تبالي بالرأي العام العربي، فهذا صحيح الى حد بعيد ولكن ما نشهده الأن تصرف يآئس سافر غير مسبوق يدل على إرتباك وتخبط لأنها أنظمة هشة باتت مهددة. فإنتشار رسالة غزة الأحرار في الوسط العربي أصبحت أمر يهدد سلطتهم الدكتاتورية ويجب إستإصالها مهما كان الثمن.
عندما لم يكلل الحصار المفروض على غزة بإسقاط حكومة حماس، إختار المتآمرون إستخدام الجيش الصهيوني لإضعاف، إن لم يكن تدمير، سلطة حماس في غزة. فأنظمة الإعتدال و"محور الشر" يرون أن النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط سيشهد إنكماش بسبب فشلها العسكري في العراق وبسبب إنكماشها الإقتصادي مما سيؤثر على سياساتها الخارجية.
وأخيراً أود أن أنهي بما كتبه دفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء صهيوني) بمفكرته في 11 نوفمبر 1948:
"دعونا نعترف بالحقيقة: إننا هزمنا الجيوش العربية ليس لأننا قمنا بالعجائب، ولكن لأن الجيوش العربية جيوش عفنة وقيادتها فاسدة. فهل سيستمر للأبد على هذا العفن؟"
أقول لبن غوريون أن هذا العفن بدأ يزول وأننا نرى مؤشرات إعصار سياسي يقترب من الشرق الأوسط.
نبراس الحياة